Sabtu, 29 Juni 2013

علم المتن

Moh. Hasyim Abd. Qadir
علم المتن
المتن: هو ما انتهى إليه السند من الكلام.
وهو المقصود من أبحاث المصطلح، ليعرف ما تقبل نسبته إلى قائله، ومالا يقبل، وقد سبق ضابط ذلك في الباب السابق بحمد اله تعالى.
وقد تعرض المحدثون لدراسة المتن من جوانبه العديدة الأخرى استكمالا لبحثهم في القبول والرد، واستيفاءًا لما يحتاج إليه الباحث. ولدى استقراء هذه الأنواع من علوم الحديث وجد أنه يمكن تقسيمها إلى ثلاث زمر هي:
أولا: علوم المتن من حيث قائله، وهي أربع:
                  ·الحديث القدسي،
                  ·المرفوع،
                  · الموقوف،
                  ·المقطوع.
ثانيا: علوم شارحة للمتن، يبحث منها:
                  ·غريب الحديث،
                  ·أسباب ورود الحديث،
                  ·ناسخ الحديث ومنسوخه،
                  ·مختلف الحديث،
                  ·محكم الحديث.
ثالثا : علوم تنشأ من مقابلة المتن المروي بالروايات والأحاديث
الأخرى.


علوم متن الحديث من حيث قائله:
1- الحديث القدسي:
الحديث القدسي: هو ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسنده إلى ربه عز وجل. مثل: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسنده إلى ربه عز وجل: مثل: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن ربه"، أو"قال الله تعالى فيما رواه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم". ويقال له أيضا: الحديث الإلهي، أو الرباني.
ومناسبة تسميته "قدسيا" هي التكريم لهذه الأحاديث من حيث إضافتها إلى الله تعالى، كما أنها واردة في تقديس الذات الإلهية، قلما تتعرض لأحكام الحلال والحرام، إنما هي من علوم الروح في الحق سبحانه وتعالى.
ومن أمثلة الحديث القدسي: حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة" . أخرجه مسلم.

الفرق بين الحديث القدسي وبين القرآن:
والفرق بين الحديث القدسي وبين القرآن وقع فيه خلاف كبير بين العلماء، ومن أقوى المذاهب في هذا ما ذهب إليه أبو البقاء العكبري والطيبي.
قال أبو البقاء: "إن القرآن ما كان لفظه ومعناه من عند الله بوحي جلي، وأما الحديث القدسي فهو ما كان لفظه من عند الرسول ومعناه من عند الله بالإلهام أو بالمنام".
وقال الطيبي: "القرآن هو اللفظ المنزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث القدسي إخبار الله معناه بالإلهام أو بالمنام، فأخبر النبي أمته بعبارة نفسه، وسائر الأحاديث لم يضفها إلى الله تعالى ولم يروها عنه تعالى".
ويختص القرآن بخصال ليست في الحديث القدسي أهما:
1- أن القرآن معجز.
2- أننا تعبدنا بلفظ القرآن، ولا يجوز لمسه لمحدث ولا قراءته للجنب.
3- تواتر القرآن، وعدم تواتر الأحاديث القدسية بل فيها ما يضعف.
وقد عني العلماء بجمع الأحاديث القدسية في مؤلفات خاصة، من أهمها كتاب "الاتحافات السنية في الأحاديث القدسية" للمنادي جمع فيه 272 حديثا قدسيا.


2- الحديث المرفوع:
الحديث المرفوع: هو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة من قول أو فعل أو تقرير أو وصف.
هذا هو المشهور في تعريف المرفوع. ويدخل فيه المتصل والمنقطع، ومنه الصحيح والحسن، والضعيف، والموضوع، بحسب استيفائه شروط القبول أو اختلالها فيه.
قال ابن الصلاح: "ومن جعل من أهل الحديث المرفوع في مقابلة المرسل فقد عنى بالمرفوع المتصل".



3- الموقوف:
وهو ما أضيف إلى الصحابة رضوان الله عليهم. ولم يتجاوز به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سمي موقوفا لأنه وقف به عند الصحابي، ولم يرتفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الصلاح والعلماء: ثم إن منه ما يتصل الإسناد فيه إلى الصحابي فيكون من الموقوف الموصول، ومنه ما لا يتصل إسناده فيكون من الموقوف غير الموصول على حسب ما عرف مثله في المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم".
"وما ذكرناه من تخصيصه بالصحابي فذلك إذا ذكر الموقوف مطلقا، يعني إذا قيل: حديث موقوف، أو وقفه فلان.
.
وقد يستعمل مقيدا في غير الصحابي، فيقال: حديث كذا وكذا وقفه فلان على عطاء أو على طاووس أو نحو هذا.
وبعض العلماء يطلقون على الموقوف اسم "الأثر".

4- المقطوع:
هو: ما أضيف إلى التابعي: ويقال في جمعه: المقاطع"، و"المقاطيع".
وهذا غير المنقطع الآتي. وهذا النوع كسائر الأنواع الثلاثة السابقة ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف وإلى كافة الأقسام الآتية في أبحاث الكتاب.
ومن مصادر الحديث الموقوف والمقطوع المصنفات، لأنها تجمع كل ما ورد في الباب، ومن أهمها: مصنف عبد الرزاق بن همام الصنعاني المتوفى 211هـ. ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة "235هـ".
كذلك كتب التفسير بالمأثور، كتفسير ابن جرير الطبري "310هـ". لأنها تعني بأقوال الصحابة والتابعين في تفسير الآيات الكريمة.
المنقطع غير الموصول في كلام الشافعي وأبي القاسم الطبراني وغيرهما".
مسائل تتعلق بالموقوف والمقطوع:
المسألة الأولى:
اختلف العلماء في الاحتجاج بما ثبت عن الصحابة من الموقوفات في إثبات الأحكام الشرعية. فذهب الرازي من الحنفية وفخر الإسلام والسرخسي والمتأخرون منهم ومالك وأحمد في أحدى روايتيه إلى أنه حجة، لما أن حال الصحابة كان العمل بالسنة وتبليغ الشريعة.
وذهب بعض الحنفية والشافعي إلى أنه ليس بحجة لاحتمال أن يكون من اجتهاد الصحابي الخاص، أو أن يكون سمعه من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المسألة الثانية: ما له حكم الرفع
إذا احتف الحديث الموقوف بقرائن معنوية أو لفظية تدل على رفعه فإنه يكون له حكم المرفوع ويحتج به.
وذلك في عدة صور بينها العلماء وهي:
الصورة الأولى: أن يكون مما لا مجال فيه للرأي والقياس.
فإن هذا يحكم برفعه. كالمواقيت، والمقادير الشرعية، وأحوال الآخرة، وقصص الماضين، ونحو ذلك من الصحابي الذي لم يأخذ عن أهل الكتاب، وذلك لأن الظاهر فيه النقل عن صاحب الشرع.
ومن ذلك التفسير الذي يتعلق بسبب نزول آية، فإنه من الصحابي الذي عاين التنزيل وعاصره في حكم المرفوع، لا التفسير الوارد عن الصحابة مما هو محل الاجتهاد.

قال الحاكم النيسابوري: "فأما ما نقول في تفسير الصحابي: مسند، فإنما نقوله في غير هذا النوع -يعني تفسير الصحابة الذي هو محل الاجتهاد-. فإنه كما أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} .
قال الحاكم: "هذا الحديث واشباهه مسندة عن آخرها وليست بمرفوعة، فإن الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل فأخبر عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا وكذا فإنه حديث مسند" اهـ.
والمراد بقوله حديث مسند: أنه مرفوع.
الصورة الثانية: ما يحكيه الصحابي من فعل الصحابة أو قولهم مضافا للعهد الماضي. نحو كنا نفعل كذا، أو نقول كذا.
ولهذه الصورة عبارتان:
الأول: عبارة مطلقة لم تضف إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثانية: ما أضيف فيه القول أو الفعل إلى زمنه صلى الله عليه وسلم.
أما العبارة التي أطلق فيها القول أو الفعل فاختلف فيها:
ذهب العراقي والحافظ ابن حجر والسيوطي إلى أنه مرفوع، واختاره النووي والرازي والآمدي والأصوليون.
وذهب ابن الصلاح إلى أنه موقوف ليس بمرفوع.
والراجح هو الأول: لأن الظاهر من مثل قول الصحابي "كنا نفعل كذا..." أنه يحكي الشرع، حيث إنه كان دأبهم، وهذه عبارة عموم، فتفيد صدور ذلك منهم عن إذن من الشارع، ولذلك اختار النووي هذا المذهب، وقال في شرح المهذب: "وهو قوي من حيث المعنى".
أما العبارة الثانية: التي فيها إضافته لعهد النبي صلى الله عليه وسلم فالجمهور من العلماء على أنه مرفوع، لأن ظاهر ذلك مشعر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقرهم عليه، لتوفر دواعيهم على سؤالهم عن أمر دينهم، وتقريره صلى الله عليه وسلم أحد وجوه السنن المرفوعة.
ومن أمثلة ذلك حديث جابر قال: "كنا نعزل والقرآن ينزل" متفق عليه.
الصورة الثالثة: أن يصدر الصحابي حديثه بما يفيد الرفع
كقولهم: أمرنا بكذا, أو نهينا عن كذا، أو من السنة كذا، فهذا ونحوه مرفوع على الصحيح الذي قاله الجمهور، لأن مطلق ذلك ينصرف بظاهره إلى من له الأمر والنهي، ومن يجب اتباع سنته، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن أمثلة ذلك: حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" أخرجه الترمذي- وقال: حسن صحيح.
وكحديث عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: "نهينا عن الكي" أخرجه الترمذي وقال فيه: "حسن صحيح".
وكحديث علي -رضي الله عنه- قال: "من السنة أن تخرج إلى العيد ماشيا، وأن تأكل شيئا قبل أن تخرج" أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن.
الصورة الرابعة: أن يذكر في الحديث عند ذكر الصحابي ما يفيد الرفع. نحو قولهم: يرفعه، أو ينميه أو رواية، فذلك وشبهه مرفوع عند أهل العلم.
ومن ذلك حديث الترمذي عن أبي هريرة رفعه قال: "ضرس الكافر مثل أحد" . رواه بسنده ثم قال: هذا حديث حسن.
المسألة الثالثة في الحديث المقطوع:
الحديث المقطوع لا يحتج به في إثبات شيء من الأحكام الشرعية، وإذا احتف بقرائن تفيد رفعه، فإنه عندئذ يكون حكمه حكم المرفوع المرسل4، لسقوط الصحابي منه.


الفصل الثاني: في علوم متن الحديث من حيث درايته:
1- غريب الحديث:
غريب الحديث: هو ما وقع في متون الأحاديث من الألفاظ الغامضة البعيدة عن الفهم.
ومعرفة معاني هذه الألفاظ علم مهم بالنسبة للمحدث، كي لا يكون زاملة للأخبار لا يدري ما يرويه.
وقد نبه العلماء على وجوب التحري والتوقي في بحثه، لئلا يقع المتعرض له في تحريف الكلم عن مواضعه والقول على الله بغير علم.
سئل الإمام أحمد عن حرف من الغريب فقال: "سلوا أصحاب الغريب، فإني أكره أن أتكلم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن فأخطئ".
وسأل أبو قلابة الأصمعي اللغوي الجليل قال: قلت: يا أبا سعيد،
ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجار أحق بسقبه1؟" فقال: أنا لا أفسر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن العرب تزعم أن السقب: اللزيق".
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام "224هـ" عن كتابه غريب الحديث: "إني جمعت كتابي هذا في أربعين سنة، وهو كان خلاصة عمري".
وأقوى ما يعتمد عليه في تفسير غريب الحديث أن يظفر به مفسرا في بعض روايات الحديث، مثل حديث: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدة" . متفق عليه3 والبدنة تطلق على الإبل والبقر، قال العلماء: المراد هنا الإبل، وقد ورد في مصنف عبد الرزاق بلفظ "فله من الأجر مثل الجزور" فهذا يفسر المراد بالبدنة.
وحديث عمران بن حصين في صلاة المريض: "صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب" أخرجه البخاري وغيره.
وقد فسر قوله "على جنب" حديث علي رضي الله عنه ولفظه: "على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه".
وقد عني العلماء بالتصنيف في شرح الغريب عناية كبيرة وكان أول من صنف فيه أبو عبيدة معمر بن المثنى "210هـ" وكتابه صغير. ثم
لم يخل عصر وزمان ممن جمع في هذا الفن وانفرد فيه بتأليف، حتى جاء الإمام ابن الأثير مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري المتوفى "606هـ" فصنف كتاب "النهاية"، جعله جامعا لما تفرق في غيره، وتوسع في شرح المفردات بحيث يلقي الضوء على معنى الجملة من الحديث، فجاء كتابا حافلا جامعا بمثابة تلخيص لشروح الأحاديث النبوية.

2- أسباب ورود الحديث:
وهو ما ورد الحديث متحدثا عنه أيام وقوعه.
ومنزلة هذا الفن من الحديث كمنزلة أسباب النزول من القرآن الكريم.
وهو طريق قوي لفهم الحديث، لأن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب.
والسبب في ينقل في نفس الحديث، مثل حديث عمر بن الخطاب "بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه ثم قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا... الحديث".
وربما لا ينقل السبب في نفس الحديث، وينقل في بعض طرقه، وهو الذي ينبغي الاعتناء به، مثل حديث "الخراج بالضمان" 2 جاء في بعض طرقه عند أبي داود وابن ماجه أن رجلا ابتاع غلاما فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم، ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرده عليه، فقال الرجل: يا رسول الله قد استغل غلامي! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخراج بالضمان" . وللسيوطي كتاب في أسباب الحديث أسماه "اللمع".
وصنف المحدث إبراهيم بن محمد الدمشقي المشهور بابن حمزة المتوفى "1120هـ" كتابا سماه: "البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف" هو أوسع مصنفات هذا الفن.

3- ناسخ الحديث ومنسوخه:
النسخ: هو رفع الشارع حكما منه متقدما بحكم منه متأخر.
وقد وقع النسخ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لحكم جليلة،
منها ضرورة التدرج بالناس من دحض الجاهلية إلى علو المثالية الإسلامية. ومعرفة ما وقع فيه النسخ من الحديث علم مهم لا ينهض به إلا كبار أئمة الفقه.
قال الزهري: "أعيى الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من منسوخه".
ومر علي رضي الله عنه على قاص، فقال: "تعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت".
ويعرف النسخ بأمور:
منها -أن يثبت بتصريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، كحديث "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" . أخرجه مسلم وغيره2
ومنها -ما يعرف بأخبار الصحابي، كحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار" أخرجه أبو داود والنسائي.
ومنها -ما يعرف بالتاريخ، كحديث شداد بن أوس وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أفطر الحاجم والمحجوم" حديث ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم"5.
بين الإمام المطلبي محمد بن إدريس الشافعي أن الثاني ناسخ للأول، وذلك ببرهان دقيق حيث إنه روي في حديث شداد أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم زمان الفتح فرأى رجلا يحتجم في رمضان فقال: "أفطر الحاجم والمحجوم" وروي في حديث ابن عباس "أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم صائم" فبان بذلك أن الأول كان زمن الفتح سنة ثمان، والثاني في حجة الوداع سنة عشر، فيكون الثاني ناسخا للأول.
وهذا الفن من ضرورات الفقه والاجتهاد، وقد ارتكب خطأ جسيما وركب مركبا صعبا من تسول له نفسه الفتوى بالحديث بزعمه مع عطله من هذا العلم فضلا عن الشروط الأخرى.
عن ابن سيرين قال: سئل حذيفة عن شيء؟ فقال: "إنما يفتي أحد ثلاثة: من عرف الناسخ والمنسوخ، قالوا: ومن يعرف ذلك؟ قال: عمر، أو رجل ولي سلطانا فلا يجد من ذلك بدا، أو متكلف".
وللعلماء تصانيف في هذا الفن أشهرها كتاب "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار". للإمام أبي بكر محمد بن موسى الحازمي "584هـ".

4- مختلف الحديث:
وربما سماه المحدثون "مشكل الحديث".
وهو ما تعارض ظاهره مع القواعد فأوهم معنى باطلا، أو تعارض مع نص شرعي آخر.
وهو من أهم ما يحتاج إليه العالم والفقيه، ليقف على حقيقة المراد من الأحاديث النبوية، لا يمهر فيه إلا الإمام الثاقب النظر.

وقد تهجم طوائف من أهل البدع على السنة وأهل الحديث بسبب زيغهم في فهم الأحاديث على وجهها حتى اتهموا المحدثين بحمل الكذب ورواية المتناقض ونسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تبعهم في عصرنا المستشرقون ومقدلدوهم ممن اغتر بالمادة واحتجرها على عقله، وغلف بحواجزها مشاعره. وإن كان بعضهم قد يتذرع باسم التحرر في فهم الدين، أو فتح باب الاجتهاد!!.وهذا الصنف من الناس يوازي في ضرورة أولئك الجهلة المتزهدين الذين سوغوا الوضع والكذب في الحديث للترغيب والترهيب، فإن كلا من الفريقين استباح لنفسه التحكم في متن الحديث، فاختلق فيه أناس بجهلهم، وجحد الآخرون صحيحه بغرورهم.
وفي الواقع أن ادعاء التعارض ليس بالعسير ما دمام في النصوص مالا بد منه من عام وخاص مستثنى منه، أو مطلق ومقيد يقيد به...، فهل نطبق على هؤلاء الناقدين نقدهم، ونطرح فكرهم، وقانونهم، وهلا وسعتهم جملة الأحاديث العظمى المحكمة، التي لا إشكال فيها ولا سؤال. وقد عني أئمة الحديث وجهابذة نقده بهذا الفن، فدرسوا ما وقع من الإشكال في الأحاديث الصحيحة دراسة وافية من الناحية العامة الكلية، ومن الناحية التفصيلية الجزئية.
أما من الناحية العامة الكلية:
فقد قسموا الأحاديث المستشكلة نتيجة البحث فيها إلى قسمين:
القسم الأول: أن يمكن الجمع بين الحديثين المختلفين، وإبداء وجه من التفسير للحديث المستشكل يزيل عنه الاشكال، وينفي تنافيه مع غيره، فيتعين المصير إلى ذلك التفسير، وهذا هو الأكثر الأغلب في تلك الأحاديث. ومن أمثلة ذلك: حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل
حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل" متفق عليه.
والملال: فتور يعتري النفس من كثرة شيء، وهو محال في حقه تعالى؟!. ويجاب عن هذا من وجهين:
الوجه الأول: أن "حتى" إن كانت بمعنى "إلى أن" فجوابه ما قال ابن فورك في كتابه القيم مشكل الحديث3: "أن يكون معناه أن الله سبحانه لا يغضب علكم ولا يقطع ثوابه حتى تتركوا العمل وتزهدوا في سؤاله والرغبة إليه. فسمى الفعل مللا تشبيها بالملل، وليس بملل على الحقيقة".
الوجه الثاني: قال القصري4: "وإن جعلتها بمعنى "كي" فبكون المعنى: لا يمل الله من العطاء... على العبد كي يمل ويظهر عجزه حين أخذ مالا يطيق، وهذا بين في كلام العرب لا إشكال فيه".
ومن أمثلة ذلك أيضا: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أرسل ملك إلى موسى عليه السلام فلما جاءه صكه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت! قال: فرد الله إليه عينه وقال: ارجع إليه فقل له: يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سنة "قال أي رب ثم مه؟" قال: "ثم الموت" قال: "فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر" . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر" . متفق عليه.
انتقد بعض الملاحدة هذا الحديث فقال: لعلى عيسى ابن مريم عليه السلام قد لطم الأخرى فأعماه!.
وقد غفل الناقد عن حقيقة هامة، هي أن الملائكة مخلوقات نورانية وليست بمادية. لكن الله أعطاها قدرة على التشكل بالصور المادية ألا ترى أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصورة دحية الكلبي، ومرة في صورة أعرابي، فلما جادل الملك موسى وجاذبه لطمه موسى لطمة أذهبت العين التي هي تخييل وتمثيل، وليست عينا حقيقية للملك، ولم يضر الملك بشيء1.
وقال الإمام ابن فورك2 "ومنهم من قال: أن معنى قوله لطم موسى عين الملك توسع في الكلام -أي مجاز-،... يريد بذلك إلزام موسى ملك الموت الحجة حين رادَّه في قبض روحه...".
القسم الثاني من مختلف الحديث: أن يتضاد الحديثان بحيث لا يمكن الجمع بينهما، وذلك على ضربين:
الضرب الأول: أن يظهر كون أحدهما ناسخا والآخر منسوخا فيعمل بالناسخ ويترك المنسوخ.
الضرب الثاني: أن لا تقوم دلالة على النسخ، فيفزع حينئذ إلى الترجيح ويعمل بالأرجح منها بكثرة عدد رواته، أو مزيد حفظ، أو مزيد ملازمة راوي أحد الحديثين لشيخه، في أوجه كثيرة من وجوه

وأما الناحية التفصيلية الجزئية:
فقد عني العلماء بدراسة أي سؤال موجه على أي حديث، وأجابوا عن ذلك في شروحهم الموسعة على السنة، كما أنهم أفردوا هذا اللون العلمي بالدراسة في كتب خاصة كثيرة، نذكر منها:
1- تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة عبد الله بن مسلم النيسابوري "276هـ".
2- "مشكل الآثار" للإمام أبي جعفر أحمد بن سلامة الطحاوي "321" وهو أوسع كتب هذا الفن وأحفلها بالفوائد.
3- "مشكل الحديث" لأبي بكر محمد بن الحسن بن فورك "406".
5- محكم الحديث:
وهو نوع جليل ذكره الحاكم4 وسماه تسمية تصلح لتعريفه: "الأخبار التي لا معارض لها بوجه من الوجوه".
مثال ذلك: حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله أورد منها الحازمي في الاعتبار خمسين وجها: 11-27 وأوصلها العراقي في نكته إلى أكثر من مائة. وقد ضبطها السيوطي بتقسيم جيد جعلها تنقسم كلها إلى سبعة أقسام انظر التدريب: 388-391.
2 انظرهما برقم عام 77و78 ص428-429. وأما إن كان أحدهما ضعيفا فيطرح رأسا، ولا يلتفت إليه، ويكون من الحديث المنكر الآتي برقم 79 من 430 وقد أورد بعض الناقدين أحاديث لا أصل لها، وأثار الإشكال حولها!!.
3 انظر المضطرب برقم 81 ص433.
4 في معرفة علوم الحديث: 129-130، وانظره في شرح النخبة: 23.
صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي مستترة بقرام فيها صورة تماثيل، فتلون وجهه، ثم أهوى على القرام فهتكه بيده، ثم قال: "إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله" متفق عليه1.
هذه سنة صحيحة لا معارض لها.
وحديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول" أخرجه مسلم والأربعة2.
وهذا الفن شديد الخطورة، لما يحتاج الحكم فيه من التتبع والاستقصاء لكافة الأدلة. قال الحاكم: وقد صنف عثمان بن سعيد الدارمي فيه كتابًا كبيرًا.
نتيجة عامة:
هذه الأنواع من علوم المتن تبرز شمول اصطلاح المحدثين في تقسيمها وبحثها فالمتن ينظر إليه من حيث قائله فيقسم أربعة أقسام تشمل كل مصدر للحديث.
ثم يعني المتن من جوانبه المتعددة لغة وورودا ونسخا وحلا لمشكله وبيانا لمحكمه وبهذا تكمل أنواع هذا الباب مهمات الباب السابق، حيث قدم لنا الباب السابق قواعد معرفة المقبول والمردود، وقدم لنا

نتيجة عامة
هذا الباب أصول الفقه والفقاهة في المتن الذي هو المقصود من وراء تمييز المقبول والمردود، فضلا عن أن فهم النص ضروري قبل البحث في نقده، فاستكمل علم الحديث النظر في متن الحديث من حيث قبوله ورده ومن حيث فهمه ودراية معناه.
أما القسم الثالث من دراسة المتن باختباره ومقابلته على المرويات فأنواعه لا تخص بالمتن بل تشارك السند أيضا. فإننا ننظر إلى المتن من حيث ورود ما يوافقه أو عدمه، فإن ورد طريق آخر بلفظه أو معناه فهو التابع أو الشاهد، وإن تعدد وروده بكثرة رواته كثرة تحيل تواطؤهم على الكذب فهو المتواتر، أو برواية جمع محصور دون ذلك فهو المشهور، وإن روي من طريقين أو ثلاثة فهو العزيز، وإن جاء المتن من طريق واحد فهو الغريب.
أما إذا جاء ما يخالف المتن فإن خالفه بأرجح مع الثقة فالراجح المحفوظ ومقابله الشاذ، وإن خالفه مع الضعف فالراجح المعروف والمرجوح الضعيف هو المنكر، وإن وقع بين ألفاظ المتون تفاوت يدل على الوهم فالمعلل.
ثم المخالفة إن كانت بدمج موقوف بمرفوع أو نحو ذلك فمدرج المتن، أو بتقديم وتأخير فالمقلوب، أو بالزيادة والنقص فهو زيادة الثقة.
وإن وقع الاختلاف من غير مرجح فالحديث مضطرب. أما إن كانت المخالفة بتغيير حرف أو حرف مع بقاء صورة الخط في السياق فالمصحف والمحرف، فهذه ستة عشر نوعام.
وهذه الأنواع لا تخص بالمتن بل يشترك السند فيها أيضا.
لذلك جعلناها بابا مستقلا هو الباب السابع وقد أوضحنا ههنا استكمال دراسة المتن من جميع أوجهه بهذه اللمحة الموجزة الموضحة، نرجو الله أن يوفق لاتمام الأبحاث بمنه وكرمه.







1 komentar:

  1. How to Play Casino: Easy Guide to playing slots on
    Casino games are played by 4 septcasino.com players, the average 1xbet korean time they take turns is around 14:20. The house is divided into three 토토 distinct gri-go.com categories: https://access777.com/ the house

    BalasHapus